الاحتلال البريطاني لمصر
بقيت مصر طوال فترة الاحتلال البريطاني تحت سيطرة العثمانيين ينوب عنهم خديوي مصر. وفي ذات الوقت عين البريطانيون معتمدًا لينوب عنهم وأوكلوا له مسؤوليات كبيرة. وكان أول هؤلاء المعتمدين هو اللورد كرومر الذي تولى الأمر عام 1301هـ، 1883م. قام كرومر بتسريح الجيش الذي ساند عرابي وتكوين جيش جديد وعلى أسس جديدة. وكوًَّن مجالس استشارية وأدخل تحسينات على القضاء بإدخال نظام المحاكم الأهلية وأجرى إصلاحات اقتصادية حولت العجز في الميزانية إلى فائض. أثناء ذلك أرسلت بريطانيا حملة بقيادة كتشنر للقضاء على الدولة المهدية. وبالفعل خاضت تلك الحملة عدة معارك انتهت بالقضاء على دولة المهدية عام1317هـ، 1899م.
خلف توفيق على خديوية مصر ابنه عباس الثاني عام 1310هـ، 1892م ودخل الأخير في صدام مع كرومر امتد إلى إقامة وتشكيل الوزارات. في هذه الأثناء كان الشعور الوطني ينمو باضطراد فبرز الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل واستغل حادثة دنشواي لإلهاب الشعور الوطني. وفي عام 1330هـ، 1911م أصبح كتشنر معتمدًا بدلاً من جروست الذي خلف كرومر. ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى التي كانت فيها تركيا على طرف نقيض مع بريطانيا. إزاء ذلك وضعت مصر تحت الحماية البريطانية وانتهى الدور العثماني فيها وعزل الخديوي وتحولت إدارة مصر بكاملها إلى مندوب سام بريطاني هو مكماهون. ثم تفجرت ثورة1337هـ، 1919م، التي أدى فيها الزعيم الوطني سعد زغلول دورًا بارزًا. وفي عام 1341هـ، 1922م، مُنِحت مصر استقلالاً مقيدًا من بريطانيا، نُصب بعده فؤاد الأول ملكًا على مصر. ودخلت الحركة الوطنية في نزاع مع بريطانيا تكررت خلاله استقالات الحكومات المتعاقبة. وفي عام1355هـ، 1936م توفي الملك فؤاد ليخلفه ابنه فاروق الذي أطاحت به حركة الضباط الأحرار عام1372هـ، 1952م.
كان الجيش المصري أحد الجيوش العربية التي خرجت خاسرة في حرب عام 1368هـ، 1948م. وكانت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد شهدت تكوين وإقالة عدد من الوزارات في مصر. وتفاقمت الخلافات بين الأحزاب السياسية فيما بينها من ناحية وساءت علاقتها بالقصر من ناحية أخرى. وعمت المدن المصرية الكبرى مظاهرات وانتفاضات شعبية. وكانت البلاد على حافة انهيار سياسي واقتصادي.
ثورة 23 يوليو 1952م 1372هـ. وسط هذا المناخ استولت مجموعة من الضباط على مقاليد الأمور في مصر في 23 يوليو 1952م، 1372هـ. وكان على رأس السلطة يومها الملك فاروق الأول. ألغى العسكريون النظام الملكي وطالبوا الملك بالتنحي في 26 يوليو من نفس العام. وبدأ النظام الجديد الذي تولى اللواء محمد نجيب رئاسته مجموعة من الإصلاحات كان أولها قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عام 1372هـ، 1952م، والذي ضاعف من عدد الأفراد مالكي الأراضي وقضى على سلطة الملاك الإقطاعيين. ثم صدرت قوانين الاستثمار التي تشجع على استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في مصر. وفي عام 1374هـ، نوفمبر 1954م، أقيل محمد نجيب وتولى جمال عبد الناصر سلطاته بالإنابة حتى انتخب رئيسًا للجمهورية عام 1375هـ، 1956م.
وفي أبريل عام 1955م، 1374هـ، انعقد في باندونج بإندونيسيا أول مؤتمر لحركة عدم الانحياز بهدف ضم الدول التي تقف على الحياد من صراع المعسكرين الشرقي والغربي لإيجاد صيغة للتعاون بينها لحل مشاكلها السياسية والاقتصادية، ولاتخاذ مواقف موحدة من الصراع الدولي. وكان لمصر دور بارز في هذا المؤتمر الذي خرج بقرارات قوية وبناءة. وربما كان ذلك المؤتمر بداية لضعف الصلات بينها وبين المعسكر الغربي الذي كانت مصر تحت نفوذه بحكم كونها مستعمرة بريطانية سابقة.
اتجهت نية القيادة السياسية الجديدة في مصر إلى إعادة بناء جيشها وتسليحه. فطلبت من الغرب بيعها ما تحتاجه من السلاح. إلا أن الغرب رفض ذلك بحكم أن هذا السلاح ربما يوجه يومًا نحو الدولة اليهودية الوليدة التي يحتضنها. ولم يكن أمام القيادة المصرية سوى الاتجاه إلى المعسكر الشرقي، فعقدت في سبتمبر 1955م، 1374هـ صفقة لشراء الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا (السابقة). وكان ذلك فاتحة لعلاقات اقتصادية مع المعسكر الشرقي. فتضاعفت على أثرها الصادرات والواردات من الدول الشرقية وإليها.
وكانت مصر قد تقدمت من قبل إلى الدول الغربية بتمويل بناء السد العالي. وكانت جدوى المشروع تتلخص في حجز مياه النيل المهدرة في البحر وزيادة الرقعة الزراعية في مصر وإيجاد موازنة بين الزيادة الهائلة في السكان وحاجتهم الغذائية، إلى جانب توليد طاقة كهربائية للمشاريع الصناعية المستقبلية. ورفضت الدول الغربية تمويل المشروع، وسحب البنك الدولي عرضًا كان قد تقدم به للمساهمة في التمويل. عندها قررت مصر بناء السد عن طريق تأميم قناة السويس واستخدام عائداتها في بناء السد.
. وفي 26 يوليو 1956م، 1375هـ، أعلن جمال عبد الناصر ر في الإسكندرية تأميم شركة قناة السويس وحل كل المؤسسات القائمة على إدارتها. وكان الهدف من التأميم هو استخدام إيرادات القناة للمساهمة في تمويل السد ثم إثبات حق مصر في السيادة الوطنية على القناة. غير أن بريطانيا وفرنسا رفضتا قرار التأميم، وقامتا بتجميد الأرصدة المصرية في المصارف الغربية. واستغلتا انشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة والتفات الاتحاد السوفييتي لإخماد ثورة في المجر. وبتنسيق مع إسرائيل وقع العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956م، 1376هـ حيث هاجمت القوات الإسرائيلية سيناء واتجهت نحو القناة. وبدعوى حماية القناة تمَّ إنزال عسكري فرنسي بريطاني تصحبه ضربات جوية على المدن المصرية. ووجه السوفييت في 5 نوفمبر إنذارًا للدول الثلاث بضرورة وقف العدوان والانسحاب وإلا فإن السوفييت مصممون على سحقه وإعادة السلام إلى المنطقة. بعده أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار بعد أن حال حق بريطانيا وفرنسا في النقض من استصدار قرار من مجلس الأمن. وتوقف القتال في 7 نوفمبر 1956م، 1376هـ.
في هذه الأثناء كانت الثورة الجزائرية تستعر ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت مصر سندًا قويًا لها. ورفضت مصر عدة مشاريع غربية كمشروع أيزنهاور ومن قبله حلف بغداد. وفي فبراير 1958م، 1378هـ قرر مجلس النواب السوري، بعد إجراء مشاورات، إقامة اتحاد فيدرالي مع مصر. فأعلنت الوحدة بين سوريا ومصر، وقامت الجمهورية العربية المتحدة. وفي يوليو 1958م، 1378هـ استولى الجيش على السلطة في العراق، مما قاد إلى تقارب بين القاهرة وبغداد. وكان رد الفعل الغربي تجاه هذه التطورات وتطورات أخرى في المنطقة، أن تمَّ إنزال أمريكي في لبنان وآخر بريطاني في الأردن. ثم وقع انقلاب في سوريا في سبتمبر 1961م، 1381 أدَّى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة.
وفي عام 1967م ازدادت التحرشات الإسرائيلية لسوريا. وإزاء هذه التحرشات أغلقت مصر القناة في وجه الملاحة الإسرائيلية عام 1387هـ، 1967م. وفي 5 يونيو من ذات العام وقع العدوان الإسرائيلي على مصر. إلا أن مصير المعركة كان محسومًا منذ بدايتها بعد أن ضُرِب سلاح الجو المصري في الساعات الأولى من القتال وانسحب الجيش المصري من سيناء إلى غرب القناة